سورة آل عمران - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قوله: {أَفَغَيْرَ} عطف على مقدّر، أي: أتتولون، فتبغون غير دين الله، وتقديم المفعول؛ لأنه المقصود بالإنكار. وقرأ أبو عمرو وحده {يبغون} بالتحتية، و{ترجعون} بالفوقية، قال: لأن الأوّل خاص، والثاني عام، ففرّق بينهما لافتراقهما في المعنى. وقرأ حفص بالتحتية في الموضعين. وقرأ الباقون بالفوقية فيهما، وانتصب {طوعاً وكرهاً} على الحال، أي: طائعين ومكرهين. والطوع: الانقياد، والاتباع بسهولة، والكره: ما فيه مشقة، وهو من أسلم مخافة القتل، وإسلامه استسلام منه.
قوله: {آمنا} إخبار منه صلى الله عليه وسلم عن نفسه، وعن أمته {لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ} كما فرّقت اليهود، والنصارى، فآمنوا ببعض، وكفروا ببعض.
وقد تقدّم تفسير هذه الآية {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أي: منقادون مخلصون. قوله: {دِينًا} مفعول للفعل، أي: يبتغ ديناً حال كونه غير الإسلام، ويجوز أن ينتصب غير الإسلام على أنه مفعول الفعل، وديناً إما تمييز، أو حال إذا أوّل بالمشتق، أو بدل من غير. قوله: {وَهُوَ فِى الأخرة مِنَ الخاسرين} إما في محل نصب على الحال، أو جملة مستأنفة، أي: من الواقعين في الخسران يوم القيامة.
وقد أخرج الطبراني بسند ضعيف، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى السموات والأرض} قال: «أما من في السموات فالملائكة، وأما من في الأرض، فمن ولد على الإسلام، وأما كرها، فمن أتى به من سبايا الأمم في السلاسل، والأغلال يقادون إلى الجنة، وهم كارهون».
وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية: «الملائكة أطاعوه في السماء، والأنصار، وعبد القيس أطاعوه في الأرض».
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس قال في الآية: {أَسْلَمَ مَن فِى السموات والأرض} حين أخذ عليهم الميثاق.
وأخرج ابن أبي حاتم، عنه في قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ} قال: المعرفة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة في الآية قال: أما المؤمن، فأسلم طائعاً، فنفعه ذلك، وقبل منه، وأما الكافر، فأسلم حين رأى بأس الله، فلم ينفعه ذلك، ولم يقبل منه {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} [غافر: 85].
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ساء خلقه من الرقيق، والدوابّ، والصبيان، فاقرءوا في أذنه {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يبغون}».
وأخرج ابن السني في عمل اليوم، والليلة، عن يونس بن عبيد قال: ليس رجل يكون على دابة صعبة، فيقرأ في أذنها {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يبغون} الآية إلا ذلت بإذن الله عزّ وجلّ.
وأخرج أحمد، والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة، فتقول: يا ربّ أنا الصلاة، فيقول: إنك على خير، وتجيء الصدقة فتقول: يا ربّ أنا الصدقة، فيقول إنك على خير، ويجيء الصيام، فيقول: أنا الصيام، فيقول إنك على خير، ثم تجيء الأعمال كل ذلك يقول الله: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام فيقول: يا ربّ أنت السلام، وأنا الإسلام، فيقول: إنك على خير بك اليوم آخذ، وبك أعطي، قال الله تعالى في كتابه: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الأخرة مِنَ الخاسرين}».


قوله: {كَيْفَ يَهْدِى الله قَوْمًا} هذا الاستفهام معناه الجحد، أي: لا يهدي الله، ونظيره قوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ الله} [التوبة: 7] أي: لا عهد لهم، ومثله قول الشاعر:
كَيْفَ نَومْي عَلى الفِراش ولما *** تَشْمل الشَامَ غَارة شَعْواءُ
أي: لا نوم لي. ومعنى الآية: لا يهدي الله قوماً إلى الحق كفروا بعد إيمانهم، وبعدما شهدوا أن الرسول حق، وبعد ما جاءتهم البينات من كتاب الله سبحانه، ومعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: {والله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين} جملة حالية، أي: كيف يهدي المرتدّين، والحال أنه لا يهدي من حصل منهم مجرد الظلم؛ لأنفسهم، ومنهم الباقون على الكفر، ولا ريب أن ذنب المرتدّ أشدّ من ذنب من هو باق على الكفر؛ لأن المرتدّ قد عرف الحق، ثم أعرض عناداً، وتمرّداً.
قوله: {أولئك} إشارة إلى القوم المتصفين بتلك الصفات السابقة، وهو: مبتدأ خبره الجملة التي بعده.
وقد تقدّم تفسير اللعن. وقوله: {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} معناه: يؤخرون ويمهلون. ثم استثنى التائبين: فقال: {إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك}: أي: من بعد الارتداد {وَأَصْلَحُواْ} بالإسلام ما كان قد أفسدوه من دينهم بالردّة. وفيه دليل على قبول توبة المرتد إذا رجع إلى الإسلام مخلصاً، ولا خلاف في ذلك فيما أحفظ.
قوله: {ثُمَّ ازدادوا كُفْراً}. قال قتادة، وعطاء الخراساني، والحسن: نزلت في اليهود، والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته، وصفته: {ثُمَّ ازدادوا كُفْراً} بإقامتهم على كفرهم، وقيل: ازدادوا كفراً بالذنوب التي اكتسبوها، ورجحه ابن جرير الطبري، وجعلها في اليهود خاصة.
وقد استشكل جماعة من المفسرين قوله تعالى: {لن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} مع كون التوبة مقبولة، كما في الآية الأولى، وكما في قوله تعالى: {وَهُوَ الذى يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] وغير ذلك، فقيل: المعنى: لن تقبل توبتهم بعد الموت. قال النحاس: وهذا قول حسن، كما قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنّى تُبْتُ الآن} [النساء: 18] وبه قال الحسن، وقتادة، وعطاء، ومنه الحديث: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»؛ وقيل: المعنى: لمن تقبل توبتهم التي كانوا عليها قبل أن يكفروا؛ لأن الكفر أحبطها، وقيل: لمن تقبل توبتهم إذا تابوا من كفرهم إلى كفر آخر، والأولى أن يحمل عدم قبولهم التوبة في هذه الآية على من مات كافراً غير تائب، فكأنه عبر عن الموت على الكفر بعدم قبول التوبة، وتكون الآية المذكورة بعد هذه الآية، وهي قوله: {إِن الذين كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ} في حكم البيان لها.
قوله: {مّلْء الأرض ذَهَبًا} الملء بالكسر مقداراً ما يملأ الشيء، والملء بالفتح: مصدر ملأت الشيء، و{ذهبا} تمييز، قاله الفراء وغيره.
وقال الكسائي: نصب على إضمار من ذهب. كقوله: {أَو عَدْلُ ذلك صِيَاماً} [المائدة: 95] أي: من صيام. وقرأ الأعمش: {ذهب} بالرفع على أنه بدل من ملء، والواو في قوله: {وَلَوِ افتدى بِهِ} قيل: هي مقحمة زائدة، والمعنى: لو افتدى به. وقيل: فيه حمل على الغنى كأنه قيل: فلن يقبل من أحدهم فدية، ولو افتدى بملء الأرض ذهباً. وقيل: هو عطف على مقدر، أي: لن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً لو تصدق به في الدنيا، ولو افتدى به من العذاب أي: بمثله.
وقد أخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، والبيهقي في سننه، عن ابن عباس قال: كان رجل من الأنصار أسلم، ثم ارتد، ولحق بالمشركين، ثم ندم، فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لي من توبة؟ فنزلت: {كَيْفَ يَهْدِى الله قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إيمانهم} إلى قوله: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فأرسل إليه قومه، فأسلم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، عن مجاهد نحوه، وقال: هو الحارث بن سويد.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن السدي نحوه، وأخرج ابن إسحاق، وابن المنذر، عن ابن عباس، نحوه أيضاً.
وقد روى عن جماعة نحوه أيضاً.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، من طريق العوفي، عن ابن عباس في قوله: {كَيْفَ يَهْدِى الله قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إيمانهم}. قال: هم أهل الكتاب من اليهود عرفوا محمداً، ثم كفروا به.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن الحسن قال: هم أهل الكتاب من اليهود، والنصارى، وذكر نحو ما تقدّم عنه.
وأخرج البزار، عن ابن عباس: أن قوماً أسلموا، ثم ارتدوا، ثم أسلموا، ثم ارتدوا، فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بَعْدَ إيمانهم ثُمَّ ازدادوا كُفْرًا} قال السيوطي: هذا خطأ من البزار.
وأخرج ابن جرير، عن الحسن في الآية قال: اليهود، والنصارى لن تقبل توبتهم عند الموت.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة في الآية قال: هم اليهود كفروا بالإنجيل، وعيسى، ثم ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن أبي العالية في الآية قال: إنما نزلت في اليهود، والنصارى كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفراً بذنوب أذنبوها، ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم، ولو كانوا على الهدى قبلت توبتهم، ولكنهم على الضلالة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد في قوله: {ثُمَّ ازدادوا كُفْراً} قال: نموا على كفرهم.
وأخرج ابن جرير، عن السدي في قوله: {ثُمَّ ازدادوا كُفْراً} قال: ماتوا وهم كفار: {لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} قال: إذا تاب عند موته لم تقبل توبته.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن أبي العالية في قوله: {لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} قال: تابوا من الذنوب، ولم يتوبوا من الأصل.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن الحسن في قوله: {وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ} قال: هو كل كافر.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يجاء بالكافر يوم القيامة، فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت مفتدياً به، فيقول نعم، فيقال له لقد سئلت ما هو أيسر من ذلك، فذلك قوله تعالى: {إِن الذين كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ}» الآية.


هذا كلام مستأنف خطاب للمؤمنين عقب ذكر ما لا ينفع الكفار. قوله: {لَن تَنَالُواْ البر} يقال: نالني من فلان معروف ينالني، أي: وصل إليّ، والنوال: العطاء من قولك نولته تنويلاً أعطيته. والبرّ: العمل الصالح، وقال ابن مسعود، وابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وعمرو بن ميمون، والسديّ: هو الجنة، فمعنى الآية: لن تنالوا العمل الصالح، أو الجنة، أي: تصلوا إلى ذلك، وتبلغوا إليه حتى تنفقوا مما تحبون، أي: حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها، و{مِنْ} تبعيضية، ويؤيده قراءة ابن مسعود: {حتى تنفقوا بعض ما تحبون} وقيل: بيانية {وَمَا} موصولة، أو موصوفة، والمراد النفقة في سبيل الخير من صدقة، أو غيرها من الطاعات، وقيل: المراد: الزكاة المفروضة. وقوله: {مِن شَئ} بيان لقوله: {مَا تُنفِقُواْ} أي: ما تنفقوا من أيّ شيء سواء كان طيباً، أو خبيثاً {فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} و{ما} شرطية جازمة. وقوله: {فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} تعليل لجواب الشرط واقع موقعه.
وقد أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن أنس: «أن أبا طلحة لما نزلت هذه الآية أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنها صدقة» الحديث.
وقد روي بألفاظ.
وأخرج عبد بن حميد، والبزار، عن ابن عمر قال: حضرتني هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} فذكرت ما أعطاني الله، فلم أجد شيئاً أحبّ إلي من مرجانة جارية لي رومية، فقلت: هي حرّة لوجه الله، فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها، فأنكحتها نافعاً.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء، فدعا بها عمر، فقال: إن الله يقول: {لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} فأعتقها عمر، وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم: إنها لما نزلت الآية جاء زيد بن حارثة بفرس له يقال لها: سبل، لم يكن له مال أحبّ إليه منها، فقال: هي صدقة.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن مسعود في قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ البر} قال: الجنة.
وأخرج ابن جرير، عن عمرو بن ميمون، والسدي مثله.
وأخرج ابن المنذر، عن مسروق مثله.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11